مع بداية العام الجديد، تجري عملية إرسال قوات إضافية لأفغانستان على قدم وساق، حيث تم التنبيه بالفعل على ألوية الجيش والكتائب البحرية بالاستعداد للانتشار، وبدأت وحداتها القيادية في التحرك فعلا. وحتى في هذه المراحل المبكرة، لا أعتقد أننا سوف نكون مستعجلين أكثر من اللازم، إذا ما بدأنا التفكير في الكيفية التي يمكن أن ينتهي بها هذا العام في أفغانستان، خصوصا وأن كبار القادة العسكريين ومسؤولي الأمن القومي المدنيين قد قالوا في ديسمبر المنصرم إنهم سيقدمون للرئيس أوباما تقييما لعملية إرسال مزيد من القوات، وتوصيات بشأن الطريقة التي يجب أن تبدأ بها. وهؤلاء الذين كانوا -مثلي- في العراق عند زيادة القوات فيه عام 2007، وأولئك الذين حاربوا -مثلي أيضا- في أفغانستان، يمكنهم إلى حد كبير التنبؤ بالكيفية التي ستتطور بها الحرب في هذا البلد. أولا، إذا ما أخذنا في اعتبارنا التحدي المتمثل في نشر وإبقاء قواتنا في مناطق وعرة وصعبة، فسندرك أن عملية حشد القوات قد تستغرق العام الحالي كله كي تكتمل. ففي البداية سوف تحتاج الوحدات للتوزع على المناطق التي لم تعمل فيها قوات للتحالف من قبل، خصوصا في الولايات ذات الأغلبية البشتونية في الجنوب والشرق. في هذه المرحلة من المتوقع أن يتحقق الشيء الذي يتخوف منه كبار القادة العسكريين الأميركيين، وهو زيادة نسبة الخسائر البشرية إلى حد كبير قبل أن يصبح الجنود والضباط متعودين على طبيعة الأرض الجديدة، وعلى نوعية العدو الذي كان يعمل بحرية في تلك الأراضي. وعندما تتعود قواتنا على طبيعة الأرض، وعلى نوعية العدو، فإنها سوف تقاتل بفعالية متزايدة، مما يجعل المتمردين يترددون كثيرا قبل التفكير في الدخول في معارك ضدها، حيث سيفضلون حينها اللجوء إلى ملاذات جديدة يعرفون أماكنها، أو قد يختفون عن الأنظار، أو يقررون الذوبان وسط الجماهير من مواطنيهم البشتون. ويعني ذلك أن الاشتباك مع العدو سوف يقل، وتقل بالتالي خسائر القوات الأميركية. ومن المحتمل أيضا أن يقل عدد الخسائر المدنية الأفغانية نتيجة لذلك، خصوصا وأن القادة الأميركيين سوف يجعلون من حماية السكان المدنيين من هجمات وانتقام عناصر التمرد أولوية قصوى لهم، كما سيبذلون قصارى جهودهم للتأكد من أن الخسائر المدنية الناتجة عن هجمات الطائرات بدون طيار سوف تبقى في حدودها الدنيا. أما الهجمات الإرهابية في المنطقة التي تتواجد فيها قوات تحالف أو قوات أميركية، فإنها وإن استمرت، فسيقل عددها إلى حد كبير. أما المجهود المتعلق ببناء بُنى الحكومة الأفغانية، وقواتها الأمنية، فمن المتوقع حدوث تقدم طفيف فيه. ورغم أن حجم الجيش الوطني الأفغاني، وقوات الأمن الأفغانية، سوف يتزايد فإنه من غير المتوقع أن يصل إلى العدد الذي حدده الأميركيون كهدف وهو 400 ألف جندي بحلول 2013. ومع أن كفاءة تلك القوات سوف تكون محل شك، فالأمر المؤكد أنها ستكون في مقدمة القوات المشاركة في العمليات العسكرية التي ستقوم بها قوات التحالف في العديد من الولايات الأقل عنفا من ولايات الشمال والغرب. على المستوى الوطني، في الوقت التي ستتيح تلك العمليات الأمنية الفرصة لإدارة كرزاي لالتقاط أنفاسها بما يمكنها من إجراء الإصلاحات المطلوبة، فالمرجح أنه لن يحدث سوى تحسن طفيف في كفاءة تلك الحكومة، وتقدما محدودا للغاية في موضوع محاربة الفساد. أما التقدم في المجال الاقتصادي فسوف يكون محسوسا بالكاد، لكن مما لا شك فيه أن فريق إعادة التعمير التابع للتحالف، سوف يحقق تقدما مع الحكومة المحلية، والمشروعات والمزارع الصغيرة. ليس هناك شك في أن تقييم مستشاري الرئيس الذي سيقدم إليه في ديسمبر القادم، سوف يعكس نوعا من التفاؤل الحذر بشأن التقدم الذي تم تحقيقه، مع التأكيد على أنه تقدم ضئيل، حيث ستكون "طالبان" قادرة على العمل بعد، كما ستكون قوات الأمن الأفغانية أقل من الحدود المطلوبة، وغير قادرة على ممارسة مهمات الحماية بمفردها، أما نفوذ الحكومة في الولايات الأفغانية المختلفة فسوف يكون محدودا هو الآخر. وإذا ما أخذنا في الاعتبار الطبيعة المعقدة للأحوال في أفغانستان، فسوف ندرك أن أوباما بحاجة إلى اتخاذ قرارات يراعي فيها طبيعة تلك الأحوال كي يتمكن من التأثير على مستقبل تعزيزات القوات في أفغانستان لما بعد يوليو 2011. والعدسات السليمة الذي يمكن لأوباما من خلالها تقييم طبيعة الأحوال في أفغانستان، يجب أن تكون هي المبادئ المحددة والبليغة في الآن ذاتها، التي ضمنها حديثه في ويست بوينت في ديسمبر المنصرم، والذي دعا من خلاله إلى تبني نهج يركز تركيزا دقيقا على "القاعدة" ويهدف إلى تمزيق، وتفكيك، وهزيمة، مقاتليها في المنطقة. ولتحقيق ذلك الهدف الذي يفوق ما عداه، طالب أوباما باستراتيجية عسكرية لكسر الزخم الذي تتمتع به "طالبان" حالياً، واستراتيجية مدنية تهدف لتعزيز قدرة وكفاءة الحكومة الأفغانية والقوات الأمنية التابعة لها، بحيث يمكن للاثنين معا أن يضطلعا بالمسؤولية الأساسية في مستقبل أفغانستان. ليس من المبكر أن نجري الآن فحصاً دقيقاً لما يجب أن يعنيه النصر في أفغانستان بناء على الأهداف التي حددها الرئيس في خطابه، على أن يتم ذلك في صورة أسئلة مثل: هل من المهم هزيمة "طالبان" لكسر زخمها، أم أن احتواء نفوذها سيكون كافيا؟ إلى أي مدى يجب مد نفوذ الحكومة الأفغانية قبل إعلان جهوزيتها لتولي المسؤولية الرئيسية عن مستقبل أفغانستان؟ ما هي الولايات والمناطق التي يجب بسط السيطرة عليها أو حكمها؟ والسؤال الأهم من ذلك: هل من الضروري كسب الحرب المضادة للتمرد في أفغانستان، والتعرض بالتالي لكافة الخسائر ودفع جميع الأكلاف التي يتطلبها ذلك، من أجل منع "القاعدة" من تحقيق أهدافها في باكستان وأفغانستان؟ إن الإجابة على تلك الأسئلة الآن ليس إجراءً سليما من الناحية الاستراتيجية فحسب، لكنه أيضا إجراء ذو معنى في الداخل الأميركي على الأقل. ومما يحسب للرئيس أوباما، أنه أظهر استعداداً لطرح الأسئلة الصعبة حيث فعل ذلك قبل أن يأمر بإرسال مزيد من القوات، ويجب أن يفعله في المستقبل عندما يستلزم الأمر منه اتخاذ قرارات بشأن مستقبل تلك القوات، كما يجب عليه التفكير في الشروط اللازمة لتحقيق النجاح في مطلع العام الجديد. --------- إريك.تي. أولسون قائد قوة المهمة المشتركة في أفغانستان (2004 -2005)، ونائب مدير مكتب إدارة إعمار العراق (2006 -2007) --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"